وجدت مجموعة من الدراسات أن الثِّقَل الميكروبي الذي يعيش في الأحوال الطبيعية بالفم متعدد الأنواع ومختلف الأشكال والأحجام، إلا أنه وُجِد أن فم الجنين وحتى الوليد في لحظاته الأولى قبل أن يتناول الطعام أو أن يشرب الحليب عادة ما يكون خالياً من البكتيريا، ولكن خلال الـ24 ساعة الأولى من ولادته يصبح في فمه نحو 12 نوعًا من البكتيريا، وخلال 10 أيام من ولادته يغدو في فم الوليد حوالي 21 نوعًا منها تقريبًا. وتقول تلك الدراسات إن عددها يزداد في أفواه الذين يتنفسون من أفواههم إلى حوالي ثلاثة أو أربعة أضعاف عددها الطبيعي.
ولكن الذي يجعلنا نطمئن على صحة الفم والأسنان أن هذه البكتيريا تعيش معيشة متآلفة في بيئة الفم، فلا تهاجم الأسنان ولا اللثة، ولا تسبب لهما أية مشاكل صحية ولا نزيف، وذلك بسبب أن البيئة التي تعيش فيها يمكن أن تُعد نوعًا ما بيئة معتدلة، وذلك بسبب مادة اللُّعاب، المعروف عنها أنها مادة سائلة تُفرَز في الفم عن طريق الغدد اللعابية. وقد وُجِد أن 98% منها ماء والباقي عبارة عن غشاء مخاطي، وخلايا دم بيضاء، وإنزيمات أخرى. وتلعب الحمضية والقلوية في اللعاب دورًا في زيادة نسبة الجير والتهاب اللثة وتسوُّس الأسنان. فالمعدل الطبيعي للحمضية والقلوية يجب أن يتراوح بين 6.2 إلى 7.4، وهذا يعني أنها معتدلة. وكلما قلّت الحموضة تحت 6.2 بالفم، يصبح عرضة أكثر لتسوُّس الأسنان، وكلما زادت القلوية عن 7.4 يصبح عرضة لكثرة تراكم الجير على أسطح الأسنان، مما يسبب التهابات في اللثة.
وربما بسبب تناول كميات من السكر وبعض المواد الغذائية الأخرى التي تلتصق وتتراكم في ثنايا الأسنان وتبقى فيها لفترات طويلة، مع عدم الاعتناء بتنظيف وتطهير الفم، تبدأ البكتيريا الطبيعية الموجودة في تجويف الفم بمهاجمة الأغذية المتراكمة واللاصقة بالأسنان، وبالتالي من الطبيعي أن تبدأ بمهاجمة الأسنان والتسبُّب في الكثير من الأضرار التي عادة ما تظهر في شكل تسويس أو مشاكل في اللثة والأعصاب وما إلى ذلك.
وهذا يعني بكل وضوح أن هذا الجزء من جسم الإنسان مهم ولكنه مُعَرَّض للخطر في أية لحظة، ولذلك يجب حمايته والاهتمام به، ولكن كيف؟ وما المنهج النبوي في ذلك؟
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَوْلا أنْ أَشُقِّ على أُمَّتِي لَأَمَرْتُهم بالسِّواكِ مع كلِّ وُضُوء". ويتوضح لنا من هذا الحديث النبوي الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم لولا خشيَته من لُحوق الجهد والمشقة والشدة بأمته وأتباعه الذين آمنوا به، لأمرهم أمر إلزام وفرْض بأن يَسْتَاكُوا مع كل وضوء، ولكنه امتنع عن ذلك رحمة بهم وشفقة عليهم، ولم يجعله من الفرائض المتحتِّمة، وإنما من السنن المستحبَة التي يثاب فاعلها ولا يعاقَب تاركها. حسناً فلِمَ السواك؟ وماذا يعني السواك؟
تشير المراجع العلمية إلى أن السواك هو استعمال عود من شجرة أو نحوه في تنظيف الأسنان لإذهاب التغيُّر في الفم والأسنان ونحوه، ووُجِد أن أفضل آلة للسواك هي المأخوذة من شجرة الأراك لِما فيها من طِيْب ريح وتشعير فيُخرِج بقايا الأطعمة ونحوها وينقي ما بين الأسنان.
وفي كتابه (السواك والعناية بالأسنان) يذكر عبدالله سعيد عن العالِم (رودات) قوله: "قرأت عن المسواك الذي يستعمله العرب كفرشاة أسنان في كتاب لرحَّالة زار بلاد العرب، وعرض الكاتب الأمر بأسلوب ساخر لاذع اتَّخذه دليلاً على تأخر هؤلاء الناس الذين ينظفون أسنانهم بقطعة من الخشب في القرن العشرين، ولكنني أخذتُ المسألة من وجهة نظر أخرى، وفكرت لماذا لا يكون وراء هذه القطعة من الخشب – ودعني أسمِّيها فرشاة الأسنان العربية – حقيقة علمية. وتمنيت لو استطعت إجراء التجارب عليها من تجاربي الأخرى التي أجريها على غيرها. ثم حانت الفرصة حينما سافر زميل لي من العاملين في حقل الجراثيم هو الدكتور (هورن) في بعثة علمية إلى السودان، وعاد ومعه مجموعة عينات منها، وبدأت فورًا في إجراء أبحاثي عليها، فسحقتها وبلَّلتها ووضعت المسحوق المبلَّل على مزارع الجراثيم، فظهرت على المزارع آثار كتلك التي يفعلها البنسلين. إن هناك حكمة كبيرة في استعمال العرب للمسواك بعد بلِّه بالماء لأن استعماله جافًا لا يُنجِح العمل لِما يحويه من مادة مضادة للجراثيم، ولو استعمل جافاً فهناك اللعاب الذي يمكنه حل هذه المعضلة"، ثم يواصل ويقول: "أما الحكمة الأخرى فهي في تغيير المسواك من حين لآخر، ذلك لأنه يفقد مادته المهمة المقاوِمة للجراثيم بطول للاستعمال". انتهى.
ولقد أجْرِيَت العديد من الدراسات والأبحاث على أعواد الأراك، فلنحاول أن نلخص كل تلك النتائج في التالي:
1- يحتوي الأراك على مادة العفص (حمض التانيك) ولهذه المادة تأثير مضاد للتعفُّنات، كما أنه يعتبر مطهرًا وله استعمالات مشهورة ضد نزيف الدم، كما أنه يطهر اللثة والأسنان ويشفي جروحها الصغيرة ويمنع نزْف الدم منها.
2- توجد في الأراك مادة لها علاقة بالخردل، وهي عبارة عن (جليكوزيد) وهذه المادة لها رائحة حادة وطعم حرَّاق، وهو ما يشعر به الشخص الذي يستعمل السواك لأول مرة، وهذه المادة تساعد على الفتْك بالبكتيريا.
3- إن تركيب هذا النبات هو ألياف محتوية على بيكربونات الصوديوم، وهي المادة المفضلة للاستعمال في معجون الأسنان من قِبَل مجمع معالجة الأسنان التابع لجمعية طب الأسنان الأمريكية، ويُستعمَل كمادة سِنِّية وحيدة تقي من المواد العضوية المجهرية التي تُفرَز في الأسنان.
4- مادة الكلور؛ وتفيد في إزالة الصبغة والتلوين أو البقع التي توجد على الأسنان.
5- مادة السيليكا؛ وهي مادة تبَيِّض الأسنان.
6- مادة صمغية، وتعمل على تغطية المينا وحمايته من التسوس.
7- فيتامين (ج)، ومادة تراي ميثيل أمين (ثلاثي المثيل أمين Trimethylamine)، وكلا المادتين الأخيرتين تعملان على التئام جروح وشقوق اللثة، وعلى نمو اللثة نموًا سليمًا.
8- مادة الكبريت، ومادة قلوانية (Alkaloids)، وكلتاهما (الكبريت والمادة القلوانية) تعملان على منْع تسوُّس الأسنان وحمايتها من البكتيريا المسبِّبة للتسوُّس.
هذا بالإضافة إلى أنه وُجِد أن الأراك يتكون كيميائيًا من ألياف السيليلوز وبعض الزيوت الطيَّارة، وبه راتنج عطري وأملاح معدنية أهمها كلوريد الصوديوم وهو ملح الطعام وكلوريد البوتاسيوم وأكسالات الجير، فلو نُظِر إلى تحليل السواك لوٌجِد أنه فرشاة طبيعية قد زُوِّدت بأملاح معدنية ومواد عطرية تساعد على تنظيف الأسنان، أو بمعنى آخر كأنها فرشاة طبيعية زوَّدها الله سبحانه وتعالى بمسحوق مطهِّر لتنظيف الأسنان ومنْع تسوُّسها.
وهذا هو منهج نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، هكذا بكل بساطة.
عندما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم لتناول الطعام مرة وجد أن يد الصحابي الغلام (عمر بن أبي سلمة) رضي الله عنه تطيش في الإناء، فقال صلى الله عليه وسلم بكل هدوء ومن غير غضب أو زجْر بهدف تعليم الغلام وتعليم الأمة واحدة من أهم آداب تناول الطعام وخاصة ...
نستشعر من الأحاديث النبوية الشريفة تشدُّد النبي صلى الله عليه وسلم وتجريمه وإنكاره بذكر اللعن من الله في موضوع تشبُّه الرجال بالنساء وبالعكس ، كما نلمس حرصه صلى الله عليه وسلم على محاربة بوادر هذا الأمر لما قد يفضي إليه في عدد من الأحاديث النبوية الش...
قد نصاب جميعنا بالقُرْف عندما نتحدث عن موضوع البول والغائط، ولكن هل نعتقد أنه من قبيل الصدفة أن يُطلَب منك عيِّنة من البول أو البراز عندما يريد الطبيب الكشف عن بعض الأمراض التي تعانيها ؟ في دراسة لنيل درجة الماجستير بعنوان (الوقاية الصحية في السنة ا...
تناولنا بالشرح في العدد الماضي الأهمية العلمية والصحية للوضوء بصورة عامة، ثم عرّجنا إلى موضوع الأهمية العلمية والصحية من غسل الوجه، وكذلك الأهمية العلمية والصحية من غسل اليدين إلى المرفقين. ونعلم أن الوضوء لم يكتمل بعدُ عند هذه الخطوات، لذلك سنواصل ف...
ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم أنه قال "الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ"، وعندما فسر الإمام النووي معنى الطهور في كتابه (المجموع شرح المهذب) قال: "وأما الطهارة في اصطلاح الفقهاء فهي إزالة حدث أو نجَس أو ما في معناهما وعلى صورتهما"، وبن...